
ناظور24 طارق الشامي
في مدارات الشعر الأمازيغي الحديث، يبرز اسم الشاعر الريفي سعيد الموساوي كعلامة فارقة في مسار الكتابة التي اختارت أن تحمل همّ الإنسان واللغة والهوية. شاعرٌ هادئ في حضوره، عميق في نصوصه، ومؤثر في مسار جيل كامل من الشباب الذين وجدوا في قصائده مرايا تنعكس فيها أسئلة الريف وتطلعاته.
وُلد الموساوي سنة 1958 في قبيلة بني بويفرور قرب الناظور، في فضاء قروي كان الشعر فيه جزءاً من الذاكرة الجماعية. منذ بداياته، لم يتعامل مع القصيدة باعتبارها مجرد تعبيرٍ لغوي، بل كمساحة مقاومة، وساحة للبوح الجمالي، ووسيلة لحماية الذاكرة الأمازيغية من التآكل.

من التقليدي إلى الحداثي… شاعر يعبر الجسر
حين ظهر سعيد الموساوي، كان الشعر الريفي ما يزال يميل نحو الطابع الشفهي الموروث، لكنّه اختار مساراً آخر. شقّ طريقه في اتجاه قصيدة حديثة، مشبعة بالرمزية، وبقضايا الحرية والكرامة والهوية، فكان واحداً من الشعراء الذين أسّسوا ما صار يُعرف لاحقاً بـ “شعر الريف الحديث”.
ديوانه الوحيد المعروف “يسفوفيد ءوعاقا – تبرعمت النواة” الصادر سنة 1994، كان بمثابة إعلان ميلاد شاعر جديد في المنطقة. ورغم قلة المطبوعات، إلا أن الديوان ظل واحداً من أهم النصوص المؤسسة لنهضة شعرية معاصرة حملت نفساً جديداً إلى القصيدة الأمازيغية.

شاعر تنقّل بين الورق والمنصّات الثقافية
اشتغل الموساوي في عدد من المؤسسات الثقافية بمدينة الناظور، من وكالة “سابريس” إلى إدارة المركب الثقافي بتجزئة المطار، ومن خلال هذه المهام ظل قريباً من المشهد الثقافي والفني، مشاركاً في ندوات ومواسم شعرية، وداعماً لمشاريع شبابية في الإبداع الأمازيغي.
كما كتب مقالات ودراسات نقدية في الصحف والمجلات، وساهم في بناء خطاب نقدي بسيط وعميق حول الأدب الأمازيغي، خصوصاً الشعر.

أغاني من القصيدة… وشهرة خارج الدواوين
لم تبق قصائد سعيد الموساوي على الورق. فقد غنتها فرق أمازيغية عديدة، مما جعل اسمه متداولاً بين الجمهور، ووسّع أثره خارج حدود الصفحات الأدبية. كثير من أبناء الريف يعرفونه من خلال الأغنية قبل أن يعرفوا أنه شاعرها.
حظي الموساوي خلال السنوات الأخيرة بتكريمات في الرباط والناظور ومناطق أخرى، اعترافاً بما قدمه للثقافة الأمازيغية، ولإسهامه في ترسيخ لغة شعرية جديدة تُدرَّس اليوم باعتبارها مرحلة مهمة في مسار الأدب الريفي الحديث.

شاعر قليل النشر… كثير الحضور
ورغم أن الشاعر لم يجمع كل إنتاجه في دواوين أخرى بعد، فإن أثره ظل متواصلاً. فهو من أولئك المبدعين الذين يكتبون بحساب، ولا ينشرون إلا ما يشعرون أنه مكتمل. لذلك بقيت بصمته واضحة رغم محدودية المطبوع، لأن القيمة لا تُقاس بالكم، بل بمدى القدرة على تحريك الحس وإضاءة الوعي.
هو شاعر لا يسعى للضوء، بل يترك القصيدة تتقد وحدها. شاعر حمل الأمازيغية بكرامة، وكتب عنها ولها، وترك في الذائقة الريفية آثاراً لا تُمحى.
إنه واحد من الأصوات التي أثبتت أن الشعر ليس مجرد كلمات، بل هو مكان لعيش الهوية، وحب الأرض، وبناء الذاكرة المشتركة.




