ثقافة وفن

أي سينما نريد لأمازيغيتنا؟… صرخة محمد بوزكو دفاعًا عن اللغة والهوية

ناظور24
في سياق الجدل المتصاعد حول مستقبل اللغة الأمازيغية ومكانتها داخل الإبداع الفني، يخرج السيناريست والمخرج محمد بوزكو بتدوينة جريئة تلامس جوهر السؤال الثقافي والهوياتي بالمغرب: أي سينما نريد… وأي أمازيغية نطمح إليها؟
تدوينة بوزكو ليست مجرد رأي عابر، بل صرخة واعية تستحضر مسؤولية الفنان والمثقف أمام لغةٍ ممتدة في التاريخ، لكنها مهددة اليوم بالتهميش داخل الفضاء الإبداعي، خاصة في السينما التي يُفترض أن تكون حاضنًا للهوية ومرآة للواقع.
من خلال طرح أسئلة عميقة وصادمة أحيانًا، يدعو بوزكو إلى إعادة التفكير في الطريقة التي نُقدم بها الأمازيغية في الفن، وفي السينما خصوصًا، منتقدًا ممارسات تُفرغ اللغة من روحها وتحوّلها إلى مجرد ديكور بصري بدل أن تكون أداة تعبير حقيقية وشريكة في صناعة المعنى.
هذه التدوينة، التي تتجاوز حدود الرأي الشخصي، تُعيد فتح النقاش حول علاقة السينما بالهوية، وتضع أمام الفاعلين الثقافيين سؤالًا جوهريًا: هل نريد فعلاً سينما تعكس لغتنا وثقافتنا… أم نُصرّ على تكريس القطيعة مع الذات؟

نص التدوينة :
ما هي السينما التي نريد؟!…

وقبل ذلك ماهي الأمازيغية التي نريد!؟…

ما اللغة التي نطمح إليها!؟…

ما هي الثقافة التي ندافع عليها!؟…

هل يكفي ان نفتخر بكون الأمازيغية ظلت موجودة منذ آلاف السنين، ونعتبر ذلك مفخرة وكفى… كي نخونها بانتهازية مقيتة!؟…

لا نريد لأمازيغيتنا ان تستمر مثل أطلال تتهاوى مع الزمن… وتتقلص مساحتها مع مرور الوقت… في وقتٍ تكتسح فيه لغات العالم، العالم، بفعل التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي…

كل من يختزل لغته الأم في كلام عابر… أو في ما تبقى منها من مفردات محشوة، مثل لاجىء، في لغات أخرى إنما بذلك يقزّم نفسه…

كل من يرى في تعليم الأمازيغية مجرد فرصة عمل… وهو يدرك انه لا يتقن اللغة الأمازيغية ولا شأن له بها، هو مجرد انتهازي…

كل من يساهم في تعيين أساتذة لا علاقة لهم بالأمازيغية لتعليمها على حساب أساتذة تكونوا فيها وتدربوا عليها وخبروا آلياتها إنما يساهم في ضرب هذه الأمازيغية نفسها…

نحن لا نريد أن نرى لغتنا في كل الأمكنة… وفي كل الفضاءات… وتعلو واجهات المؤسسات… وفقط…

نحن نطمح ان نرى كتبا تُؤلف وسيناريوهاتٍ تُحبكُ بهذه اللغة أيضا… لانها لغة تنبض بالحياة…

نحن نريد أغاني ومسرحيات تتكلم لغتنا مثلنا… وتعبر عن مشاغلنا بكل حمولاتها الثقافية… هذه الحمولة التي لا يمكن للغة أخرى ان تنتصب مكان اللغة الأصل للتعبير عنها مهما كان… وإلا سيسمى ذلك تدليساً… واجتنابا للحقيقة…

نريد افلاما بشخصيات تشبهنا… تخاطبنا بلساننا… وتعبر عن مشاعرنا… وآلامنا بلغتنا اليومية…

لا نريد أفلاماً تستورد لغاتٍ أخرى وتشوه حقائق الواقع… فتخرج لنا أفلاماً معطوبة… منحرفة… ومزوِّرة للوقائع… فكيفما كان الحال السينما مثلها مثل باقي الفنون… إبداع يعكس الواقع بشكل من الأشكال…

ولايمكن تبرير هذا الانزياح بأسطوانة “اللغة السينمائية”… اللغة السينمائية لا تقتل لغة الحوار… ولا تعدم لغة موضوع الفيلم… وإنما تدعمها… وتمنح لها إطاراً عاماً وعالميا للتعبير…

لذلك تعد سلطة اللغة في الأفلام تلك القوة التعبيرية، الثقافية، النفسية، والسردية التي تمنحها الكلمات والحوارات، مما يجعل اللغة جزءًا أساسيًا من بناء العالم السينمائي…

مثلا… لا يمكن لشخصيات فيلم تدور أحداثه في دار الكبداني أن تتحدث بالدارجة واللغة اليومية المتحدث بها هناك هي الأمازيغية… هذه اللغة لا يمكن ان تمحيها بلازمة “اللغة السينمائية” المفترى عليها…

لا يمكن لِمَماس أن تقول لحبيبها إيدير في إغزار اُريري: كنحبّك!… بدل: تخسغ شك!… ونحسبُ ذلك لغة سينمائية!…

هذه الجملة تفقد تأثيرها ومشاعرها وأحاسيسها… وتضمر إقصاء وتزييفا للواقع… في حين أن اللغة السينمائية تضمن، بأدواتها، حق التعبير بأي لغة كانت… وكلما اقتربت لغة الفيلم للواقع كلما كان الفيلم صادقاً ينقل هوية شعب وثقافةً كاملةً…

وإذا كان الفيلم وثيقة تاريخية يساهم في الحفاظ على اللغة فإنه يعد أيضا وسيلة مهمة لإحياء هذه اللغة وإنعاشها… ولاستحضار الذاكرة المشتركة صورة وصوتا…

هذه هي السينما التي أريد…

بصفتي مواطن مغربي… ريفي… أمازيغي…

فلماذا تريدون أن نجعل من أفلامنا أفلاماً تقتل لغتنا… وتقصيها على أرضها!؟…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى