الرئيسية

المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناظور… منصة عالمية لإحياء النقاش حول العدالة الانتقالية وبناء السلم

ناظور24 طارق الشامي

احتضنت مدينة الناظور، صباح الأحد 16 نونبر، ندوة دولية وُصفت بأنها من أبرز محطات الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، وذلك تحت شعار “السلام نحو عدالة انتقالية عالمية”. الندوة، التي نظمتها مؤسسة مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، جمعت نخبة من المفكرين، والحقوقيين، والفاعلين السياسيين، لتفتح نقاشًا معمقًا حول آليات المصالحة وسبل ترسيخ السلم في عالم تتسارع فيه التحولات وتتعاظم التحديات الحقوقية.

افتتاح برسائل قوية حول مستقبل العدالة الانتقالية

استهل الجلسة الافتتاحية الوزير السابق والرئيس الشرفي للمهرجان عبد السلام الصديقي، الذي شدّد على أن العدالة الانتقالية لم تعد مجرد نقاش أكاديمي، بل ضرورة لضمان الاستقرار في المجتمعات التي عرفت اضطرابات أو انتهاكات جسيمة. وأكد الصديقي أن المغرب، من خلال تنظيم مثل هذه الندوات، يسعى إلى تعميق التفكير في تجارب العالم واستلهام مقاربات جديدة تنسجم مع تطورات الحاضر.

عمر عزيمان… قراءة مغربية في سجل المصالحة الوطنية

وشكلت مداخلة عمر عزيمان، مستشار جلالة الملك والرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إحدى أبرز لحظات اللقاء. فقد قدم عزيمان مقاربة تحليلية للتجربة المغربية في العدالة الانتقالية، معتبرًا إياها تجربة فريدة في المنطقة العربية والإسلامية.

وتوقف عزيمان عند أهم محطات هذا الورش الوطني، من كشف الحقيقة إلى جبر الضرر وحفظ الذاكرة، قبل أن يسلط الضوء على الإصلاحات العميقة التي عرفها المغرب خلال العقدين الأخيرين، وعلى رأسها مدونة الأسرة، إصلاح العدالة، وتطوير منظومات الحكامة. هذه الإصلاحات، حسب عزيمان، أرست ثقة دولية في النموذج المغربي وقدمته كمرجع يُستأنس به في عدة دول.

تجارب عالمية تتقاطع عند هدف واحد: إنهاء دوائر العنف

بعد العرض المغربي، تسلّم الكلمة عدد من الباحثين والخبراء الدوليين، مستعرضين تجارب متنوعة من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. وقد ركزت المداخلات على نماذج الأرجنتين وكولومبيا والبيرو وغواتيمالا، حيث واجهت هذه الدول تاريخًا مثقلًا بالانتهاكات، وسعت عبر لجان الحقيقة ومحاكمات الجناة وبرامج جبر الضرر إلى إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

كما تمت الإشارة إلى تجارب أوروبا الشرقية، خاصة في بولونيا وهنغاريا، اللتين شكلت فيهما العدالة الانتقالية رافعة أساسية للخروج من إرث الأنظمة الشمولية.

النموذج المغربي… إشادة دولية وتجربة تُدرَّس

أجمعت مداخلات معظم الحاضرين على أن المغرب قدّم خلال السنوات الأخيرة نموذجًا متوازنًا في مجال العدالة الانتقالية، حيث جمع بين كشف الحقيقة، إنصاف الضحايا، والإصلاحات المؤسساتية. وقد اعتُبرت هذه التجربة درسًا مهمًا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصوصًا في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.

المهرجان… منصة فكرية تتجاوز حدود الفن

أكدت هذه الندوة مرة أخرى أن المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناظور ليس مجرد تظاهرة سينمائية، بل فضاء للتأمل الجماعي في قضايا الذاكرة، السلم وحقوق الإنسان. فقد أصبح المهرجان ملتقى لباحثين ودبلوماسيين وخبراء، يلتقون كل سنة لتبادل التجارب وصياغة أسئلة جديدة حول مستقبل العدالة الانتقالية في العالم.

وبهذا الحدث، رسّخت الناظور مكانتها كمدينة تُنتج التفكير وتستضيف الحوار الدولي حول المصالحة وبناء السلم، في وقت يحتاج فيه العالم أكثر من أي وقت مضى إلى نماذج ناجحة تُعيد للإنسان مكانته وللذاكرة قيمتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى