اقتصادالرئيسية

مليلية تحت وقع الانهيار الاقتصادي: المغرب يعيد رسم خارطة التبادلات الحدودية

ناظور24:

في تصريح غير مسبوق، أقر رئيس مدينة مليلية المحتلة، خوان خوسي إمبرودا، بأن أكثر من 60% من النسيج الاقتصادي للمدينة قد انهار، واصفاً الوضع بـ”الضربة المدمرة”. هذا التصريح يكشف عمق الأزمة التي تعيشها المدينة التي ظلت لعقود تعتمد بشكل شبه كلي على التبادل التجاري والاقتصادي مع محيطها المغربي، خاصة عبر ما كان يُعرف بالتهريب المعيشي.

لقد كان هذا الارتباط الاقتصادي مع الجوار المغربي يبدو للبعض تفصيلاً جغرافياً بحتاً، لكنه في الواقع كان يمثل العمود الفقري للاقتصاد المحلي في مليلية وسبتة معاً. ومع قرار المغرب إغلاق المعابر في وجه أنشطة التهريب والتهريب المعيشي منذ سنوات، بدأت تتكشف هشاشة هذا النموذج الاقتصادي القائم على منظومة غير رسمية وغير مستدامة.

المغرب يبني البديل.. استراتيجية طويلة المدى

في الوقت الذي دخل فيه اقتصاد مليلية مرحلة الانكماش الحاد، اختار المغرب التقدم بثبات نحو بناء بدائل وطنية حقيقية. فبينما كان رجال الأعمال في مليلية وسبتة يوجهون رسائل الاستغاثة إلى الحكومة المركزية في مدريد وإلى مؤسسات أوروبية، كان المغرب يشتغل على الأرض، وفق رؤية واضحة تقوم على القطع مع الاقتصاد غير المهيكل وتعويضه بمشاريع استراتيجية.

أبرز هذه المشاريع يتمثل في ميناء “الناظور غرب المتوسط”، الذي يرتقب أن يصبح أحد أكبر الموانئ في حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي سيعزز تموقع المغرب كمركز لوجستي دولي. إلى جانب ذلك، عملت السلطات المغربية على تأهيل المعابر الحدودية مع المدينتين المحتلتين لتتحول إلى مراكز عبور قانونية تحترم المعايير الجمركية والاقتصادية الدولية، ما أنهى عملياً عهد التهريب المعيشي الذي كان يغذي اقتصاد المدينتين.

كما كثف المغرب استثماراته في الأقاليم الشمالية من خلال بنية تحتية حديثة ومشاريع صناعية وخدماتية، ما خلق دينامية اقتصادية جديدة وقلص تدريجياً من اعتماد سكان هذه المناطق على الأنشطة غير الرسمية.

تحولات جذرية في المنطقة

المرحلة التي تمر منها مليلية وسبتة اليوم ليست مجرد أزمة ظرفية، بل تعكس تحولات هيكلية عميقة في معادلة التبادل الحدودي. المغرب، الذي يراهن على اقتصاد مهيكل وقائم على القيمة المضافة والتكامل مع محيطه القاري والدولي، يبدو أنه ماضٍ في ترسيخ واقع جديد لن يعود فيه التهريب والاقتصاد غير المهيكل جزءاً من المنظومة.

في المقابل، تجد مليلية وسبتة نفسيهما أمام تحديات غير مسبوقة، تستدعي إعادة صياغة نماذجهما الاقتصادية بعيداً عن الاعتماد على السوق المغربي بالشكل الذي كان سائداً لعقود.

إنها بداية فصل جديد في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين المغرب والمدينتين المحتلتين، فصل تكتبه التحولات الميدانية وليس فقط التصريحات السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى