سعيد بركان ابن الناظور .. محام يتأرجح بين الدين والعلوم القانونية في ألمانيا


سعيد بركان ابن الناظور .. محام يتأرجح بين الدين والعلوم القانونية في ألمانيا
ط. العاطفي | أ. الخياري

أملى التجمع العائلي على سعيد بركان الانخراط في تجربة هجرة مبكرة؛ إذ غيّر فضاء حياته من منطقة الريف المغربية إلى البيئة الألمانية قبل إكمال السنة العاشرة من عمره.

يجمع بركان، حاليا، بين المحاماة والفعل في الشأن الديني والنشاط المدني ضمن تنظيم جمعوي، ويعدّ التشبث بهوية الأجداد منطلقا أساسيا للنجاح في السير على طريق تقود إلى التميز.

من بني شيكر

ازداد سعيد بركان سنة 1978 في منطقة “إهوانن” بجماعة بني شيكر الساحلية، المنتمية إلى إقليم الناظور، وبعد شهر من ولوج مدرسة القرية هاجر إلى ألمانيا.

يتذكر الريفي نفسه تفاصيل الانتقال إلى البلاد الأوروبية سنة 1986، وكيف اصطحب عمه أفراد الأسرة إلى مطار “وجدة ـ أنجاد” لخوض رحلة جوية تربط المغرب بالوجهة النهائية.

يعلن بركان أن دوافع تحرك الأسرة إلى ألمانيا كانت مبنية على الالتحاق بوالده، المتحصل على عمل في قلب “القارة العجوز”، بعدما تأكد من أن الهجرة لا تفضي دوما إلى العودة.

صعوبات غائبة

بالعودة إلى تجربته الخاصة، يشدد سعيد بركان على أن الصعوبات الوازنة لم تحل دون تحقيقه الاندماج وسط الفضاء الألماني؛ إذ ساهم صغر سنه في استحضار الاعتياد السلس.

يقول: “لم يكن التركيز منصبا إلا على تعلم اللغة الألمانية بسرعة، أما الاعتياد على العيش في المدينة جاء سهلا رغم أن أسرتي لم تستقر إلا بالبيئة القروية قبل الهجرة”.

كما يؤكد بركان أنه استفاد من التعاون مع مجموعة أطفال وفدوا من المغرب للالتحاق بآبائهم في “ديتنباخ”، مثلما دعّم ببرنامج مسجدي ركّز على تعلم اللغة والدعم المدرسي.

العلوم القانونية

حصل سعيد بركان على شهادة الباكالوريا في شعبة الاقتصاد قبل الانتقال إلى دراسة العلوم القانونية، ولأجل ذلك تحرك من مدينة “دينباخ” نحو حاضرة “فرانكفورت” العملاقة.

أنهى المنتمي إلى صفوف الجالية تحصيله في “جامعة غوته”، وخاض فترة تدريب من سنتين بغرض ممارسة مهنة قانونية، حائرا بين القضاء والمحاماة قبل حسم الاختيار.

انتقل بركان إلى مدينة برلين للحصول على شهادة مران تتيح له العمل محاميا في ألمانيا، ثم ارتأى إطلاق مساره المهني على النحو الأمثل؛ من خلال تأسيس مكتب محاماة خاص به.

سنوات من التجربة

يحرص مكتب سعيد بركان للمحاماة على الاشتغال بوتيرة عالية منذ إرساء دعائمه عام 2005، ولم يتوقف العمل فيه رغم انتقال صاحبه إلى لندن لإنهاء “ماستر” في الدراسات الشرعية.

ويعترف بركان بأن مواصلة التكوين العالي في سلك “الماستر” قد عزز مداركه وقوى الجانب الوظيفي الخاص به، كما أن الاطلاع على العمل القانوني في إنجلترا ربط التنظير بالواقع الميداني.

يركز مكتب المحاماة الخاص بسعيد على الترافع ضمن القضايا ذات الصلة بتشريعات الشغل، وعبر فريقه القانوني يتعامل مع دعاوى القانون المدني وبعض الملفات المرتبطة بالقضايا الأسرية.

الفعل المدني

لسعيد بركان نشاط مدني أطلقه أيام الدراسة الجامعية في “فرانكفورت” بالتطوع لمساعدة ثلة من المراكز الثقافية والمساجد في تطبيق برامجها المعتنية بالجاليات المسلمة عموما، والمغاربة خاصة.

العطاء المرتبط بالمحامي نفسه أوصله إلى المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وأضحى متقلدا المسؤولية برئاسة فرع المؤسسة بولاية “هيسن”، مستجمعا ما يقارب 3 سنوات من العطاء في هذا الموقع.

ويعتبر بركان هذا الالتزام الجمعوي بوابة لتمثيل المسلمين في المنطقة وكسر الصور النمطية، مع توفير حاجيات المساجد للقيام بأدوارها المهمة في صيانة الهوية، دون إغفال التنمية الضرورية لروح التعاون.

المستجدات المغربية

ساهم سعيد بركان في تأسيس الجمعية المغربية الألمانية للحقوقيين، ويذكر أن هذه المبادرة قد وقف وراءها شباب من أصل مغربي، غالبيتهم ولدوا في ألمانيا، وجاءت بعد دستور 2011 في المملكة.

“نهدف إلى لمّ هذه النخبة في شبكة تشجع التعاون البيني وتقوي الاقتراح لما يطرأ على مستوى القانون في المغرب، لتثمين المكتسبات والحيلولة دون التراجعات”، يشرح بركان في هذا الصدد.

تركز الجمعية المغربية الألمانية للحقوقيين على الفعل القانوني في البلدين من جهة، وإطلاع الجالية المغربية في ألمانيا على المستجدات التشريعية بالمملكة من جهة أخرى.

الهوية وقوة الشخصية

يؤكد سعيد بركان أن الجالية المغربية، بثقافتها الأمازيغية الإسلامية، مطالبة بمزيد من الارتقاء مستقبلا في ألمانيا، وأن يرتبط الجيل الجديد بهوية الأجداد ونقلها إلى الأجيال اللاحقة.

أما بخصوص الشباب الراغب في النجاح في الهجرة، فإن المحامي عينه يربط تحقق هذا المبتغى بحضور الوعي، واستجماع الطاقة النفسية للإقبال على مسار التطور بثقة خلال الدراسة والعمل.

“سبيل النجاح طويل وتعمّه مطبات متنوعة، لذلك ينبغي تعليق الآمال على الله ثم الحرص على تنمية الإمكانيات الشخصية بغرض الوصول إلى الهدف النهائي”، يختم سعيد بركان حديثه .