حسن.. قصة مغربي شُجاع أنقد يهودياً في اعتداءات بروكسيل


حسن.. قصة مغربي شُجاع أنقد يهودياً في اعتداءات بروكسيل
الأحد 25 ديسمبر 2016
حسين عصيد
كما قد تنبت الورود وسط الأشواك، أو تتسل أشعة الشمس عبر الغيوم عقب يومٍ مطير، قد تتولّد صداقات بين الناس.. وتنمو في رحم الفجيعة، لتتوطد مع مرور الأيام حتى تمسيَ مضرب المثل في التضحية والإخلاص. هكذا كانت قصة المغربي حسن واليهودي “والتر”، اللذان لم يكن بينهما سابق معرفة، غير أن مأساة اعتداء مطار بروكسيل الارهابي، وما واكبها من معاناة مُغرقة في الظلام، سارعت إلى توطيد علاقة صداقة كبيرة بينهما، باتت الشغل الشاغل للصحافة الأوروبية على العموم، ونظيرتها البلجيكية على الخصوص، والتي صوّرتها كإحدى القصص البطولية الأكثر إشراقاً وتأثيراً سنة 2016.

الموت في المطار

كان الـ 22 من شهر مارس 2016 يوماً عادياً، حين تقدم اليهودي البلجيكي “والتر بنيامين” إلى أحد محلات الوجبات الخفيفة بمطار بروكسيل، وحتى قبل أن يُبادر البائع بالسؤال، كان قد طار بضعة أمتار إلى الخلف جراء انفجار عنيف وقع على بُعد 3 أمتار منه، ولوهلة قصيرة – حسبها دهراً كاملاً – استفاق من غيبوبته، محاولاً أن يتلمّس طريقاً له وسط الغبار ونثار الزجاج، يقول والتر: “كنت قد استيقظت فجأة من غيبوبة دامت لثوانٍ، وحين التفتّ حولي، وجدت جثة رجل بلا رأس بقربي وأخرى لنصف امرأة على بُعد أمتار، وحين هممت بالنهوض، أيقنت فجأة أني لا أملك سوى رجلاً واحدة، وأما الأخرى فكانت في وضع باعث للدهشة !”

فرصة للحياة

ظل “والتر”، 48 عاماً، والموظف في وكالة للتعارف، ينتظر برعبٍ قدوم المساعدة وسط الفوضى التي اجتاحت المطار، ومع ازدياد النزيف بقدمه المبتورة، كان قد أيقن لوهلة أن نهايته قد دنت، واستلقى منتظراً نهايته، غير أن قدوم ميكانيكي المطار حسن الوافي، 41 عاماً، سرعان ما غيّر منحى الأمور، إذ عمد فجأة إلى الامساك بما تبقى من رجل “والتر” محاولاً إيقاف النزيف، فيما ظل يُحادثه خشية أن يدخل في غيبوبة مميتة، حتى أتى رجال الإسعاف الذين نقلوه إلى أقرب مستشفى.


الطريق إلى الشفاء

شهور عديدة قد مرت، و”والتر” الذي وضع الأطباء رجله اليسرى المُصابة وسط قالب معدني لرأب العظام، وعوضوا رجله اليمنى المبتورة بأخرى بلاستيكية، قد بات أكثر تفاؤلاً من ذي قبل، إذ يقول: “لا أدري أية ظروف وضعت مغربياً مسلماً في طريق يهودي ليبرالي، لقد تقاطعت طُرقانا معاً في ذلك اليوم العصيب، والآن لا إمكانية لفراقنا أبداً، لقد أنقذ حسن حياتي، وأنا ممتن له غاية الامتنان”، قبل أن يُبادره بالسؤال: “حسن، لماذا لم تهرب كما فعل الآخرون؟ ولمَ وضعت حياتك على المحكّ لانقاذ رجل مُحتضر لا تعرفه؟”. يرد حسن ببساطة: “لقد حاولت إيقاف تدفق النزيف في قدمك وجاهدت لإبقائك مستيقظاً، وكنتُ أطمئنك بقُرب وصول المساعدة، حتى أني أعرتُك هاتفي كي تتصل بزوجتك السابقة في إسرائيل بعدما تفتت هاتفك جراء الانفجار، أنا موظف في المطار، وكان هذا أحد واجباتي، وقد قمت به دون تردد”.
قصةٌ للعالم

إبان فترة رُقاده في المستشفى التي تعدّت الأربعة أشهر، كان لدى “والتر” – وهو يتماثل للشفاء – الوقت كي يُروج لقصته المثيرة التي لامست أوتاراً حساسة في قلوب رواد الفيسبوك حيث أضحى له آلافٌ من المتتبعين، ذلك الحماس الذي زرعه فيه المتعاطفون مع مُعاناته سرعان ما هيّأ له فكرة جريئة، وهي أن يصور وصديقه شريطاً وثائقياً، سيكون بمثابة رواية لتفاصيل الحادث المروع وبطولة حسن، على أن تتخللها مقاطع عن حياة وأصول كل واحد منهما على حدة، ستأخذهما من بروكسيل إلى إسرائيل ثم المغرب. يقول “والتر”: “سأحاول أن أنقل في شريطي الوثائقي القادم إلى العالم فكرة أن الإرهاب لا دين له، وأن المسلمين واليهود والمسيحيين إخوة في هذا العالم، وكلّ من قتل الناس لقناعات شخصية، فهو مجرم ولا علاقة بأي دين كان”، أما حسن فقال:” لقد دهشت للتغطية الإعلامية التي صاحبت قصتنا معا أنا ووالتر، ودُهشت أكثر بعد ترويجه للقصة على الفيسبوك، للعدد الضخم من الهدايا التي تلقاها من متعاطفين مسلمين من جميع أنحاء أوروبا”.

بتصرف عن صحيفة “Volkskrant” الهولندية