البُحيرة التي ولجت العالمية بتهريب المُخدّرات تُراهن على سَبْعِ مواقع سياحية لتكريس صَدَاها العالمي


البُحيرة التي ولجت العالمية بتهريب المُخدّرات تُراهن على سَبْعِ مواقع سياحية لتكريس صَدَاها العالمي
طارق العاطفي:

آشْ هَادْ الـ "مَارْتْشِيكَا".. ؟

لم يكن أغلب الأفراد العاديين والمطّلعين منهم يعلمون، إلى غاية الأمس القريب، بأنّ مدينة الناظور لا تُطلّ مباشرة على البحر الأبيض المتوسط رغم ملامسة هذه المدينة في كلّ لحظة للمياه التي تنفذ من هذا البحر نحو الواجهة البحرية الحقيقية لمدينة الناظور، واجهة شمالية يدعوها الريفيون بـ "رْبْحَارْ أمْزْيَانْ|البَحْر الصّغير"، أو كما يحلوا للبعض تسميتها اقتداءً بمنطوق الذين عمّروا المنطقة من الإسبان والذي هو: "مارتشيكا".. كلمة إسبانية تعني نفس الدلالة السابقة، والمكنى بها فضاء هو الثاني من نوعه على مُستوى البُحيرات بالبحر المتوسط.

و تمتد بُحيرة مارتشيكا من شمال مدينة الناظور نحو شمالها الشرقي على مساحة مائة وخمسة وخمسين كيلومترا مربعا، بواجهة برية جنوبية مُقوسة وطول إجمالي بخمس وعشرين كيلومترا وعرض سبع كيلومترات ونصف، في الآن الذي لا يتعدّى فيه العُُمق قياس الأمتار الثمان. ويفصلها عن البحر الأبيض المتوسط شريط بري يمتدّ من غرب جماعة أركمان إلى شرق بلدية بني انصار والمُخترق بـ "واد بُوقانة" الذي لا يتعدّى عرضه المائة متر وهو العامل على تجديد مياه انطلاقا من المتوسّطيّ.

مارتشيكا.. ملجأ الأمس لزوارق "الغوفاست" المُحشّشة

ظلّت بُحيرة مارتشيكا إلى غاية نونبر 2006 حصنا حصينا وملجأً مُدرّا للملايير لفائدة أباطرة التهريب الدولي للمخدرات، وقاعدة لممارسة "سِيبَة" المُهربين في رَكن وإخفاء الزوارق السريعة القاطعة للمسافة الفاصلة بين ضفتي المتوسط في زمن قياسي عن طريق الاستعانة بأحدث التقنيات بما فيها ما تسخره تكنولوجيا "الجي بي إس" لهذا الصدد.

كما ظلت جنبات بحيرة مارتشيكا، من زوايا متعدّدة كبوقانة وأركمان وبوعرك وبوعرورو.. قِبلة للباحثين عن أعمال مُواكبة للنشاط المحظور في تهريب المخدرات منذ سنوات طوال، يمارسون بها عمليات الشحن والإمداد بالوقود إضافة إلى الحراسة والمُراقبة تحسبا لأي مُداهمة، مُدرّةً على الجميع مبالغ خيالية بحُكم السخاء المُرافق لضخامة مردود "الرُّيَّاس" ومُشغليهم من الأباطرة.

وقد تمّ خلخلة النشاط المحظور الممارس بالبُحيرة انطلاقا مما سمّي بـ "حملة نونبر 2006"، وهي الحملة الموجهة لمحترفي التهريب الدولي للمخدرات انطلاقا من سواحل الناظور، حيث كانت العمليات الأمنية التي شاركت خلالها فرق أمنية من مختلف الأجهزة عبارة عن فٌرصة لإثارة اسم بُحيرة مَارتشيكا على الصعيد الوطني والدولي، بحكم حملات التمشيط التي دارت رحاها بعد اعتراضات مسجّلة بالمياه الدولية لزوارق سريعة مُنطلقة منها محملة بأطنان من المخدرات، إضافة إلى تقارير محلية ودولية عن هذا الفضاء البحري التي وصلت إلى سلطات عليا بالبلاد، ومنها رسالة رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان شكيب الخياري للملك محمّد السادس بهذا الصدد، حيث تمّ تمشيط البُحيرة وجنباتها بحثا عن زوارق "الغوفاست"، وتسجيل حصيلة وصلت إلى حجز 123 آلية بحرية مُستعملة في عمليات التهريب رغم ما عاب باقي معطيات الحملة من قبيل عدم إيقاف أباطرة مُخدرات ولا كميات كبيرة من القنب الهندي ولا مُتواطئين، وهو المُعطى الذي جعل البحيرة معرض استقصاءات ودراسات وتصريحات ومُواكبات من محيطها ودونه.

مارتشيكا.. "كَـانْتْ مْشَـاتْ"..

ظلت مارتشيكا مصدر قلق لساكنة مدينة الناظور التي بدأت تتعامل بحذر مع أي أمر مُرتبط بها، وذلك لفتك الخطر البيئي بكافة مرافقها في ظلّ مُعاناة ثروتها الحيوانية السمكية والنباتية من التلوث الذي تتعرض له بحكم الهيكلة الفارضة لتدبير عدد من الملفات المرتبطة بتصريف النفايات الصلبة والسائلة بنوع من الارتجال وانعدام الفعالية. إذ أنّ تفريغ مياه الواد الحار مباشرة في البُحيرة، ودون مُعالجة، جعل ناقوس الخطر يُدقّ تجاه الثروة السمكية التي تزخر بها البُحيرة، والتي تُعدّ مورد رزق لممتهني الصيد التقليدي العاملين بمارتشيكا انطلاقا من المرفأ المُحاذي لضريح سيدي علي، كما أنّ فشل تدبير ملف النفايات الصلبة على طول عقود بالناظور والنواحي قد جعل ثلة من الأحياء المُحاذية لمارتشيكا تُلقي بمُخلفاتها مُباشرة إلى المياه، أو وسط الأودية التي تنتهي بالبُحيرة، خصوصا وأنّ مصادر النفايات جعلت منها كمّا ثقيلا بورودها من مخلفات الساكنة الحضرية ومخلفات النشاط الفلاحي بمنطقة بوعرك وكذا الصناعي من منطقة سلوان، أذكاها كون تجديد مياه البُحيرة لم يعد فعَّالا بالشكل اللازم لتراكم الرمال والفضلات على مُستوى "إيغْزَارْ نْ بُوقَانّة" (واد بُوقانة) الذي يُعتبر بمثابة شريان الحياة بضمان ولوجية مياه البحر الأبيض المتوسط لهذه المساحة المائية الممتدة على 155 كيلومتر مربّع، ما جعل أصواتا جمعوية مُعتنية بالبيئة ترفع التحدّي وتقوم بدراسات وحملات توعية وموائد مُستديرة وأيام تشاورية من أجل الحث على تدارك ما يُمكن تداركه في حقّ فضاء بحري نادر عبر العالم، فضاء يقتضي استثماره سياحيا وبيئيا بالانفتاح عليه ومعالجة المعيقات.

وقد كانت أولى الخطوات الملموسة في اتجاه إعادة الحياة لبحيرة مارتشيكا تخصيص سفن لتنظيف سطح الماء، وذلك في إطار مشروع التهيئة الذي شُرع في نسجه بعدما تمّ الاقتناع بضرورة اعتماد رؤى مُختلفة لهذا المعقل الفريد المُزاوج بين جمال البرّ وسحر البحر.

"مَارتشيكَا مِيدْ".. لتهيئة "رْبْحَارْ أمْزْيَانْ"..

"مَارْتْشِيكَا مِيدْ" هي شركة التي أعلن عنها من أجل العمل على بلورة تصور تهيئة البُحيرة وفق رؤى تُراعي توجه الدولة إلى تحقيق مخططها في استقطاب أحد عشر مليون سائح في أفق سنة 2012، وذلك عبر الانخراط في إعادة الاعتبار للطاقات السياحية التي تتوفر عليها المنطقة في فضاء بُحيرة مَارتشيكا بمخزونه البري والبحري الزاخر بمميزات طبيعية وحيوانية متميزة، إذ تشغل هذه الشركة البناء الكولونيالي الذي كان مقرا لبلدية الناظور بشارع محمّد الخامس بالمدينة، وسبق وأن أعلنت عن مبادرات بشأن التخطيط لعملها، إذ يتمثلّ أبرز ما قامت به في إعلانها عن مُباراة دولية للمخططات والدراسات الهادفة لخلق التنمية السياحية بالفضاء المعني بتدخلها والمُستحضرة للرؤى البيئية وفق محاور تمسّ تطهير الصلب والسائل إضافة إلى الهندسة والتعمير، ثمّ الدراسة التقنية والمائية ودراسة الموقع الاستراتيجي وتسويق المشروع السياحي، إلى جانب دراسات تمس المالية والنقل والبيئة والمحيط السوسيوقتصادي، حيث تمّ تلقي المخططات والدراسات التي شارك فيها عدد من المكاتب الدولية المختصّة قبل الوقوف على التصور النهائي باعتماد إنجاز سبع مواقع سياحية بمساحة إجمالية تعادل تسعمائة هكتار، وهي مساحات بنقاط سَبع تمسّ كورنيش مدينة الناظور، وخليج الناظور الممتد على مائة وخمسين هكتارا، إضافة لشبه جزيرة أطالايون بمساحة مائة وعشرين هكتارا، وموقع سهل الناظور بهكتاراته الثلاثمائة والتسعين، ومحطة أركمان المصمّمة على مائة وعشرين هكتارا، زيادة على ميناء البحرين وهكتاراته المائة، وفندق البُحيرة المُنتظَر على مساحة عشرين هكتارا، حيث من المنتظر أن تستمر أشغال التهيئة عبر أشطر ممتدّة إلى سنة 2025 بغلاف مالي إجمالي يُعادل ستّا وأربعين مليار درهم.

المواقع السبع السياحية المتوقع إنشاؤها..

من المنتظر أن يساهم إتمام وإعادة تهيئة كورنيش الناظور في إنتاج واجهة بحرية تجعل من المدينة مُقبلة على العصرنة والتحديث، خصوصا وأن إعادة بناء فندق الريف وإنشاء منتزه "الواد" السكني يُعول عليهما في تشكيل قطب هذا الموقع الذي يتواجد بقربه موقع خليج الناظور الذي سيمتد على طول ثلاث كيلومترات بتجهيز سكني وفندقي محدود بحزام أخضر، حيث سيشمل مائة فيلاَّ على مساحة ثلاث هكتارات وخمسمائة سكن جماعي على أزيد من خمس هكتارات، إضافة إلى فندق الخليج بنجومه الأربع وغرفه المائة الشاملة مرافقه لثمانية آلاف متر مربع والملاعب رياضية، في الحين الذي سيرتكز موقع شبه جزيرة أطالايون على اشتمال مائتين وحدة ما بين مساكن سياحية وفيلاَّت على مساحة خمس هكتارات، إلى جانب فندقين من فئة خمس نجوم، بمئة وسبعين غرفة، ومساحة مشتركة تصل إلى أزيد من ستّ هكتارات يقربها نادي يخت على هكتارين.

موقع السهل سيكون بمثابة مُكمل لموقع خليج الناظور لموقعه بشرق مارتشيكا، حيث ستسود ملاعب الغولف على مساحة ثلاثة عشر هكتارا، جنبا إلى جنب مع ألفين وستمائة وخمسين وحدة سكنية ما بين فيلاَّت ومساكن سياحية وأخرى جماعية، حيث سيكون السكن ممتدا على خمسين هكتارا، في الحين الذي سيعتمد إنجاز محطة أركمان على بنايات خفيفة منحنية لاستقبال رواد السياحة من العائلات بألف وخمسين وحدة سكنية مختلفة ومائتين وخمسين غرفة لفندقين مصنفين بأربع وخمس نجوم، ليحضى ميناء البحرين الواقع بالشريط الفاصل عن البحر الأبيض المتوسط بواجهتين بحريتين تنال تجهيز ا بوعاء سكني على ثلاثة عشر هكتارا من ستّمائة وحدة، وفندقين من تصنيف عال بمائتين وخمسين غرفة، وموقع فندق البُحيرة ببوقانة الذي سيتشكل من مائة وخمسين غرفة بمساحة ثمانية عشر ألف متر مربّع، زيادة على شق قناة تجديد المياه المُرتقب أن تكون على بٌعد كيلومتر ونصف من قناة التجديد الحالية "إغْزَارْ نْ بُوقانَة"، بعرض ثلاثمائة متر وعمق ستّة أمتار، بميزانية ثلاثمائة واثنين وستين مليونا من الدراهم لأشغال تدوم ثمانية عشر شهرا.

هَادْ الشّي مْزْيَان.. وْكَايْنْ لّي مَا عَاجْبُوا حَالْ..

إذا كانت تصاميم التهيئة المخطزطة لبحيرة "رْبْحَارْ أمْزْيَانْ" بالنَاظور، أو مارتشيكا، تنمّ عن مستقبل سياحي زاهر للمنطقة في ظلّ بُعدها عن أوروبا بأقل من ساعتين جوّا، وفق رهانات تحفظ للبحيرة مكانتها الدولية بحضور المشروعية وانتفاء الأنشطة الممنوعة الممارسة سابقا، فإنّ ثلّة من الساكنة المُقيمة بضفاف مارتشيكا ترى في المشاريع تهديدا لبيوتها وممتلكاتها العقارية التي ستُقام على أنقاضها المشاريع، إذ سُجّلت مُقاومات سالفة لمُحاولات رجال السلطة المحلية هدم مساكن "خارجة عن المُخططات"بكل من أحياء بوعرورو و شعّالة وسيدي علي، كما ببوقانة وأركمان وبوعرك، منها ما تكلل بتأجيل التنفيذ ومنها من فشل. وهذا ما جعل متتبعين يعتبرون عددا كبيرا من المشاريع لم تُراعى فيها البنية الاجتماعية ومصالح السكان في مُمتلكاتهم، وجعل المنطقة المعنية تخضع برمّـها لمُظاربات عقارية مصحوبة بارتفاع صاروخي لأثمنة العقارات والأراضي، بل هناك من المتتبعين ما ربط بين الأمر برُمّته وضرورة الحفاظ على الهوّيّة بعدما تمّ إعطاء انطلاقة الأشغال بموقع "أطَالَيُّون" من لدن الملك محمّد السادس خلال يوليوز الحالي تحت اسم "أطَلَعْيُون"، مَا اعتُبر دليلا على غياب دراسة هوّياتية لمُحيط المشروع برمّته الذي سَيُجبر العديد على التعايش في فضائه ومع مُحيطه قسْراً باسم التنمية والدينامية الاقتصادية والمُخطّطات الاستراتيجية.

كمَا يُمكن بهذا الصدد العودة إلى تصريحات السيد عبد العزيز أفتاتي، البرلماني المُستقيل مُؤخرا من صفوف حزب العدالة والتنمية، خلال تجمّع تواصلي مع ساكنة الناظور بقاعة الندوات لنيابة التعليم، حيث أورد في مَعرض حديثه عن مشروع تهيئة جنبات بُحيرة مارتشيكا بأنّ حربا خفيّة تدور رحاها بين سياسين كبار ومسؤولين مركزيين من أجل أخذ النصيب المرغوب فيه من لدنهم من "كعكة مارتشيكا"، وأنّ مافيات عقارية هي في طور التركيب من أجل فرض قوانينها على البنية المُهيّئة الجديدة لمارتشيكا، وأنّ مُستقبل الأيام كفيل بالبرهنة على ذلك.




البُحيرة التي ولجت العالمية بتهريب المُخدّرات تُراهن على سَبْعِ مواقع سياحية لتكريس صَدَاها العالمي


البُحيرة التي ولجت العالمية بتهريب المُخدّرات تُراهن على سَبْعِ مواقع سياحية لتكريس صَدَاها العالمي